العربي بيتقدّم دايمًا باعتباره لغة جميلة ومُركّبة، بالظبط زي هويتنا كعرب. كلماته الثرية، خطوطه الفنية البديعة، وتعبيراته العميقة جدًا.. كلها حاجات بتخليني أتمنى إتقانه. بس مش عارفة. لأني وأنا طفلة، مكنتش بشوف غير قواعد التشكيل المعقدة ومصطلحاته غير المألوفة تمامًا بالنسبة لي. كان الموضوع محبط ليَّا، وبدل ما أتدرب على إتقان اللغة، هربت منها.
هربت لكتب ممتعة شدّتني، وكانت بتخاطب سني وتفكيري. الكتب اللي لقيتها بالإنجليزي سحرتني لأنها كانت شبه إهتماماتي وكمان كانت متنوعة جدًا. كنت بلاقي عناوين كتيرة لأي موضوع في دماغي، عشان أختار اللي يعجبني منهم. أدب اللغة كان ممتع ومبينتهيش، حبيتها لدرجة أني اتمسكت بيها بإيدي الاتنين، وبدون قصد سيبت العربي.
بعد مرور سنوات وخبرات كتيرة جدًا، اكتشفت مصطلح يوصف حيرتي: "diglossia”/ازدواج اللسان. ووفقًا لأول شرح بيطلع لنا على جوجل فَـ هو "لما لغتين (أو لهجتين من نفس اللغة) بيتم استعمالهم في ظروف مختلفة بتحصل في المجتمع واللي بيتكلمهم نفس الأشخاص.
المصطلح عادةً بيتم تطبيقه على اللغات اللي فيها اختلاف كبير بين نسختها الفصحى ونسختها العاميّة، زي اللغة العربية كدا.
اتفضلوا، أول مثال: اللغة العربية
قد إيه كان شعور مريح لما عرفت أني مش لوحدي. وأنها مش مشكلتي أنا بس. دي مشكلة بنواجهها كعرب لأننا مطلوب مننا معظم الوقت نتكلم لغتين وبطلاقة، وواحدة منهم مظلومة جدًا في الممارسة والتدريب. طيب، إزاي تغلّبت على المشكلة دي مع طفلي؟
في البداية، كنت عارفة أني لازم أكون بتكلم معاه أكتر بالعربي. جوزي كان بيضحك عليا ويقول أني بعامل طفلي زي ما أكون بتعامل مع كلب، لأني بكلمه إنجليزي كأنه أجنبي ميعرفش لغتي. ودا حقيقي، ماعرفش ليه، بس توقعت لو اتكلمت معاه بالإنجليزي أنه هيفهم اللغة دي أسرع.
ولما بدأت بقَصد أتكلم معاه بالعربي، اكتشفت أنه لقَطها بنفس السهولة اللي بيفهم بيها الإنجليزي. أنا مش خبيرة لغوية، وزي ما بيتقال لنا دايمًا أن كل طفل مختلف، لكن أنا متأكدة أننا مش متخيلين قد إيه الأطفال شاطرة! وأن جزء كبير من تعلم أي لغة هو التعرُّض المستمر ليها.
تاني طريقة اتبعتها، أني قررت أخلي العربي حاجة ممتعة. يعني الألعاب والأغاني والكرتون والكتب طبعًا.. كل دول ممكن يكونوا بالعربي كمان على فكرة.
اكتشفت أن فيه كتب رائعة بجد موجودة بالفعل (وكتب أروع كمان لسه نازلة قريب، لو فاهم قصدي بقى).
لما ابني فهم أن العربي دا جزء من حياتنا ويومنا، ومش حاجة مفروضة عليه لأغراض تعليمية محسّش أنه محتاج يرفضه.
وأخيرًا، أني قررت أبطل أحكم على نفسي. أيوة، أوقات كتيرة بتكلم معاه بالإنجليزي، لكن هو برده بيجري ورا أي طير يشوفه ويغنّيله "يللا حالًا بالًا بالًا! حيّوا أبو الفصاد!"، ودا معناه أني ماشية في الطريق الصح.